وضع السمّاعة بقوة وأخذ يهذي:

• الشرطة قادمة الى هنا ، يا نهاري الأسود ، بالتأكيد هم قادمون ليقبضوا علي ، لقد شكّوا في مرة أخرى ، لابد أن أتخلَّص من أي شيء يجعلهم يشكون في.

 ذهب إلى مكتبته ، وتذكَّر كلام رفيقه في الزنزانة ، ثم مد يده وأخذ مجموعة كتب ، وأخذ يفكر في كيفية إخفائها. 

لاحت فكرة في دماغه ، فجرى نحو الصالة ، ونظر إلى شباك المنور وهَّم بإلقائهم ، ولكنه تراجع ثم ألقاهم بعد تردد .

دعا الله ، وتمنى أن تكون عائلته معه في هذه اللحظة . نظر إلى قضبان الشبَّاك ، - فبدت له وكأنَّها قضبان زنزانة - وقال وكأنَّه يترافع في محكمة:

• أنا جاهز ، لم أعد أخاف من شيء ، أنا الذي أخطأت في المرَّة السابقة ، عندما شكوت الضابط بعد أن سبّني أمام باب الجامعة ، لرغبتي في دخول الجامعة وقت المظاهرات . 

سمع ضجيج في الشارع ، فقال مذعورا :

• لقد وصلوا.

صعدت القوة الى الطابق الأخير وأخذت جاره ورحلت.

 قال وهو غير مصّدق: 

• أنا سليم ،  أشكرك يا رب ، لكن لماذا قبضوا على جارنا ؟ ليس لي شأن ، أهم شيء أنَّهم تركوني أعيش.

فجأة توقف عن الكلام ، وضرب جبهته بكفِّه ،وقال : 

• كيف سأنجز الرسالة ، لقد ألقيت بكتبي في الزبالة ، لقد تخلصت من لغتي وتاريخي وديني ، من أجل أن يتركوني أعيش ، صاحب العمارة مسافر للخارج ولن يوافق البواب على كسر  الباب ولن أقدر على تعويضهم لندرتهم وثمنهم الباهظ ، أنا السبب ، لقد فرَّطت في أغلى ما أملك من أجل أن أعيش ، ولكِّني لن أعيش ، بعد الذي ضيَّعته لن أعيش.

جرى نحو الشبَّاك ، وأمسك بالقضبان ، وأخذ يجذبها بعنف ، محاولا خلعها ، ولكنه عجز وشعر بالتعب واليأس ، فأرخى ذراعيه ، وأطرق رأسه مستسلما ، ثم أخذ يهذي بكلام غير مفهوم . 

مصطفى محمد حسن

مصر

mustafaelmohandess@gmail.com