"عبرتُ مدخل الورشة.
الجدران العالية هي حدود العالم. خطواتي وسط الصمت، هي الدليل الوحيد على الحياة.
دخلتُ ورشة النجارة. عبرتُها. فتحتُ النافذة. أمسكتُ مصراعيها بذراعين مفتوحتين،
كأنني أحاول أن أمسك المساء، وأحتويه داخل صدري. لم يمر وقتٌ طويلٌ من الفترة
المسائية الشاسعة. سمعتُ وطء أقدام، في المدخل. لم ألتفتْ؛ لأنني أعرف ما سيحدث.
لا يفاجئني شيء. ظننتُه عمّي. توقفت الخطى، عند مدخل ورشة النجارة. استغربتُ. هدأ
التنفس. أحسستُ بالصمت. التفتُّ. هناك صبيٌ يرتدي الـ"شورت"، ويداه في
خصره، ووجنتاه متّسختان، وينظر إليّ في خوف. مدّ يده - دون أن أقول له شيئًا -
بورقة مطوية. أخذتُها، وأعطيتُه عملة معدنية. أخذها، وخرج مسرعًا. حبستُ أنفاسي،
وفتحتُ الورقة. كان مكتوب فيها: "وأنا أيضًا أحبك".
"مقبرة البيانو" رواية برتغالية من تأليف
جوزيه لويس بايشوتو، وهي أول رواية تترجمها العربي للنشر والتوزيع عن البرتغالية،
وترجمها إلى العربية الدكتور جمال خليفة.
الرواية تدور حول مجموعة من الأشخاص، كل منهم يعطينا
جزءًا منها حتى إذا انتهت الرواية تجمعت لدينا صورة كاملة واضحة، تبدأ الرواية
بمشهد الأب، مؤسس العائلة وهو في فراش الموت، أبنائه متجمعون حوله، يبكونه في صمت،
يحاولون مقاومة دموعهم وحزنهم لكن بدون جدوى. أسلوب الرواية فريد من نوعه، حيث نجد
تعدد للرواة داخل الرواية، لكن بطريقة متصلة للغاية، وكأن المؤلف قد اختار عدة
أصوات لصوته هو وحده. توجد أيضًا شخصية واحدة، جعلها الكاتب جزءًا من العائلة في
هذه الرواية، وهي شخصية "فرانسيسكو لازارو"، وهو أول عدَّاء برتغالي
ينضم لبطولات الأولمبياد، لكنه لم يكمل مشوار ومات شابًا، ذلك العدَّاء له تأثيرٌ
كبيرٌ في حياة المؤلف، لأنه يرتبط في ذاكرته بوالده، وفيما حدث في حياته فيما بعد،
وكيف أثرت هذه الأحداث عليه، ودفعته إلى كتابة هذه الرائعة "مقبرة
البيانو".
جاء اسم الرواية من تلك الحرفة التي اشتهرت بها العائلة،
ألا وهي تصليح ألات البيانو المعطوبة. خلف ورشتهم يوجد مخزن قديم به العديد
من آلات البيانو التي لم تعد صالحة
للاستخدام، ومن هنا جاء اسم "مقبرة البيانو"، تلك "المقبرة"
التي تحولت مع الوقت إلى ملجأ لكل من أراد الهرب من ضغوط حياته، ولكل من أراد أن
يهتدي إلى طريق سعادته وخلاصه.