قدمت أحداث 25 يناير 2011
حالة نموذجية لظهور رأي عام متحرر، توافرت فيه شروط المجال العام، وتحولت ميادين
الثورة إلى ساحات لنقاش ديمقراطي حقيقي ومشاركة جماهيرية واسعة وتعبير حر عن
المواقف والاتجاهات المختلفة من خلال الحشد والتعبئة والتظاهر السلمي. وكان من أبرز مظاهر الثورة الشعارات التي انتشرت بالميادين العامة
بأنحاء الجمهورية وفي الميادين الإلكترونية أيضاً، وعبّرت تلك الشعارات عن
أهداف الثورة والحث على المشاركة فيها والرد على من يشكّكون في أهدافها ووسائلها.
وقد شهد العالم العربيّ قفزة كبيرة في دور وسائل التواصل الاجتماعي في حركية المجتمع، فقد لعبت رسائل فيس بوك وتغريدات تويتر دوراً كبيراً في التمهيد للثورة، والتحريض عليها والتحفيز على مواصلتها، وجاءت تسمية الثورة المصريّة باسم (ثورة
الفيس
بوك) كي
تعكس
قناعة
قويّة
بالدور
المحوريّ
لوسائل
التواصل
الاجتماعيّ
في إشعالها. كما
أُنجزت
معظم
العمليّات
التنظيميّة في
فضاء فيس
بوك؛
ومنها صياغة
الشعارات ونشرها،
كما
أنّ
هذه
الوسائل
قدّمت
فضاءً
تواصليًّا
رحبًا،
أتاح
لخطاب
الثورة بحججه
وقناعاته
الوصول
إلى
شريحة
ضخمة
من
الشباب،
ومن
ثمَّ
لعبت دورًا
مؤثّرًا
في
خلق
وعي
ثوريّ.
ولعلّ ما يفسر الدور
الكبير للشبكات الاجتماعية، أنها أتاحت التدفق الكبير للمعلومات وتعزيز التواصل
بين الأفراد، ما سهّل من دورها في حشد وتعبئة طاقة معنوية معادية لنظام الحكم،
وإذا كانت الصحافة قد ساهمت بدور كبير في تشكيل البنية الثقافية للمجتمع المصري
منذ القرن التاسع عشر؛ فإن تكنولوجيا المعلومات أخرجت وسائل الاتصال عن سيطرة
الدولة ولعبت دوراً في بناء معارضة قوية وساهمت في تشكيل خطاب حداثي.
فالمُتتبع للمجال
العام المصري بعد ثورة يناير يدرك التحولات الكبرى التي شهدها فيما يتعلق ببنيته
والفاعلين الرئيسيين فيه وكيفية إدارة العلاقة بين هؤلاء الفاعلين وبعضهم البعض من
جانب وبالسلطة الحاكمة من جانب آخر، فلم يعد هناك حزب حاكم يحتكر لنفسه حق التمثيل
داخل المجال العام، بل تعددت وتنوعت بداخل هذا المجال كافة ألوان الطيف السياسي
والمجتمعي، وتخلص المجال العام المصري من وصاية النظام وأصبح مجالاً عاماً
تعددياً، تمثلت فيه الحركات الاحتجاجية، والائتلافات الشبابية، والأحزاب السياسية
الوليدة، فلم يعد تيار أو حزب معين يحتكر لنفسه حق التمثيل داخل المجال العام.
وإذا كانت دراسة
الشعار تسهم في توصيف العلاقات القائمة بين التركيبة الاجتماعية والتركيبة اللغوية
لتحليل التغيرات المجتمعية؛
فقد أصبحت الشعارات سمة أساسية من سمات الحياة السياسية والاجتماعية في مصر منذ
أحداث 25 يناير وتداعياتها، حيث وُظِّف الشعار للتعبير عن الرغبة في رحيل النظام
السياسي والتركيبة الاجتماعية غير العادلة.
وقد ارتبط ظهور الشعار
في الفهم السياسي العام بظهور الانتفاضة، فإذا كانت نتفاضة انفجار نتيجة ضغوط
سياسية أو اجتماعية؛ فالضغوط والانفجار تتطابق مع حالة معيشية حادة، ومن ثم لا يُتَصَوّر
انتفاضة بدون شعار، فالشعار يلعب في فترة زمنية معينة دور الدليل والمحرّض
للجماهير، ومن هنا فإن الشعارات لها زمنها الخاص الذي تُطلَق فيه، وتُوجَه إلى
غالبية الناس وليس إلى طبقة معينة منهم، في ظل ظروف نابعة من الممارسة الثورية.