الزنزانة 44 (عبد الرحمن عبد الملك سيف)
سَكَنَتْ الْأَنْفُسُ وَنَامَتِ الأَعْيُنُ، وَقَدْ ظَنَّ الجَمِيعُ بِأَنَّهَا سَتَكُونُ لَيْلَةٌ هَادِئَةٌ كَمَا تَمَنَّوْا ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَا لَلْأَسَفِ، فَقَدْ كَانَ لِلْقَاتِلِ رَأيِّ آخَرُ، وَقَرَّرَ جَعَلَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ضِمْنَ أَيَّامٍ لَا تُنْسَى، مَحْفُورَةً فِي أَذْهَانِ جَمِيعِ مَنْ عَايَشَهَا.
قَبْلَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ بِبضع دَقَائِقَ، وَقْتَ كَانَ الجَمِيعُ نَائِمِينَ، يَسِيرُ الْأَخِيرُ فِي مَكَانٍ يَغْزُوهُ الظَّلَامُ الدَّامِسُ، مَكَانٌ تَعْبَقُ رَائِحَةُ الدِّمَاءِ مِنْهُ، يَطَأُ بِخُطُوَاتِهِ الخَافِتَةِ الوَاحِدَةَ تِلْوَ الأُخْرَى مُتَقَدِّمًا بِكُلِّ ثَبَاتٍ عَلَى تِلْكَ الأَرْضِيَّةِ الخَشَبِيَّةِ مُصْدِرَةً صَوْتَهَا المُمَيَّز، نَحْوَ هَدَفِهِ المَرْجُوِّ تَقَدَّمَ بِلَا تَرَدُّدٍ لِيَصِلَ أَخِيرًا إِلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ المُلَقَى أَرْضًا بِلونِ الدَّمِ، يَحْمِلُ القُفَّازَاتِ وَيَرْتَدِيهَا، وَمِنْ ثُمَّ يَرْفَعُ رِدَاءَهُ الخَاصَّ وَقِنَاعَهُ الْحَدِيدِيَّ مِنَ الْأَرْضِ وَاضِعًا إِيَّاهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَيَلُنَّ رِدَاءَهُ حَوْلَ جِسْمِهِ حَامِلًا سِكِّينَهُ المُدَمَّى نَاظِرًا إِلَيْهِ بِرِضًا تَجَلَّى فِي ابْتِسَامَتِهِ الشَّيْطَانِيَّةِ.