مميزات وعيوب كل رجال الباشا محمد على وجيشه

• 

  Nadia Hussien

  (8 سنة, 7 أشهر ago)

  حقا لاشيء يمثل طغيان الكلمة المكتوبة وأثرها على الأشياء أكثر من مصطلح "قيد" وهو المصطلح الذى استخدمه محمد على معنى التجنيد. للمؤلف خالد فهمى العديد من الدراسات والمقالات الأكاديمية وهو حاصل على الدكتوراة فى التاريخ الحديث من أوكسفورد. فى هذا الكتاب يتتبع حياة جندي مفترض من جنود جيش محمد علي. من تجنيده إلى هربه، مرورا بتدريبه وحياته فى المعسكر وسلوكه داخل المعركة ورعايته صحيا. حيث نرى الوجه الآخر لتاريخ مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، نرى هذا الفلاح المصري وهو يُنتزع من أهله وقريته، التي كان يقاسي فيها بالفعل أهوال إدارة الباشا وضرائبه، ليخدم مخططات هذه الآلة الجهنمية المسماة ( الجيش النظامي) جيش محمد علي وانتصاراته وبنية الجيش الداخلية وصراعاته الإجتماعية.. نشاهد حروب محمد على مع السلطان ضد الوهابيين واليونانيين ثم انقلب عليه عام 1831!! حملة الشام (1831- 1820) أهم الحملات التي خاضها جيش محمد علي النظامى. وكيف منحته حرب اليونان الشجاعة الكافية ليحتل ولاية سوريا. ونرى كيف لجأ الباشا للتجنيد وتأسيس جيش نظامى على الرغم من وجود المماليك وجنوده الألبان! ما هى قصة استعباد السودانين وما مدى نجاحها ؟ يذهب جنوبًا ثم يرتد شمالا بحثا عن فلاحى مصر! لماذا كان خيار الفلاحيين المصريين أصعب الخيارات المتاحة، بدأ التجنيد يسرى بين حقول الفلاحين وبين القرى الفقيرة بحثا عن أى فرد لينضم لطابور أشبه بطابور العبيد مقييدين فعليا ودفتريا. يحاول الكاتب تفسير الارتباط بين الجيش والدولة الحديثة التى أنشئت فى مصر فى النصف الأول من القرن التاسع عشر. برغم أن الجيش المصري حقق نصرا حاسما في معركة قونية ( ديسمبر 1832) ضد الجيش العثماني، فقد تبين أن ثمة قائدا كبيرا قد ارتكب أخطاء عظيمة. ويواصل الكاتب طريقه مقتديا بهذه الحادثة المحددة ليبرز التعارض بين الطريقة المتماسكة الشبيهة بالآلة التى كان يفترض أنها تشكل طريقة عمل الجيش وروايات مختلفة عن الأداء الواقعي للجيش. فتتضح الهوة التي تفصل القوانين العسكرية المختلفة عن الطريقة التى تطبَّق بها في الواقع. ماذا عن موتي ذلك الجيش الحديث ؟ في حدود اهتمامات سلطات الباشا لم يكن المتوفي، ضابطا كان أم جنديا، أكثر من اسم يجب أن يُشطب من دفاتر الجيش وكشوف الماهيات. والأهم من ذلك كانت السلطات مهتمة بالاستيلاء على متعلقات المتوفي. ذلك أن "دفترة" المرء في سجلات الباشا لم تكن تنتهي بموته. فى المعسكرات والثكنات، حيث يحيا الجندى ليستعيد عافيته من آثار المعارك الماضية أو ليستعد للمعارك الجديدة. تظهر لنا: صورة الجنود وهم يتجنبون هذا التحكم المحكم المفروض على أجسامهم، يقترب الكاتب من مقاومة الجنود من خلال دراسة أسلوب السلطات في محاولة التأكد من سلامة الجنود من الأمراض والسيطرة على صحتهم العامة. يبحث الكاتب عن أثر الجيش علي الوطنية المصرية بدراسة سياسات إبراهيم باشا نحو جنوده المتحدثين بالعربية، وبفحص تركيب هيئة الضباط الإثنية واللغوية والعلاقة بين الجنود والضباط. أما بالنسبة للفلاحين فإن الادعاء بأن هذا الجيش جيشهم وأنهم يحاربون من أجل أهدافهم هم كان سيبدو لهم بالتأكيد أكثر الادعاءات التى سمعوها سخفا. ربما كانوا لم يتركوا لنا كلمات مكتوبة تطلعنا على عواطفهم الحقيقية نحو الجيش والباشا ولكن كانت هناك وسائل أكثر فصاحة: فبالتسحب والتشويه الذاتي يبدو لنا أنهم لم يكونوا ليترددوا في استخدام كل وسيلة لتجنب مؤسسة أصبحت تمثل بالنسبة لهم بطريقة واقعية للغاية كل الأعمال الوحشية لنظام الباشا! يطرح الكاتب تحد أخير أمام الرواية الوطنية عن " الباشا العظيم" وعداء " بريطانيا العظمي" له. فعلي النقيض من الرواية الوطنية التي ترى أن بريطانيا العظمى قد قوضت جهود الباشا وأهدافه، يرى الكاتب أن سيرة الباشا كانت سيرة تتميز بنجاح فائق. فقد قاتل من أجل الحصول على حكم وراثي لنفسه ولأبنائه من بعده، وذلك هو بالضبط ما نجح في تحقيقه.