يمكن القول إن ثمة تحول مفاجئ حاصل في بعض الخصائص المِعمارية والعُمرانية التشكيلية في بعض بلدان العالم النامي، صاحب هذا التحول في الحياة الحضرية في المجال العام بعض التغيرات في النظام البنائي الهندسي وأنماط السلوك، والتي تبدو جاءت متعارضة مع تنويعات مفهوم المُصطلحين: ’مدينة‘ و’عمارة ‘على مر الزمن. ظهرت هذه التغيرات فيما يبدو تابعة لعمليات صامتة، وغير ملحوظة، وآتية نتيجة نزوح بشري وهجرات داخلية مستمرة من خارج بعض المدن أحيانًا وعبر ما يحصل من حركة في داخل مدن أخرى، والتي في الغالب سيطرت عليها وقادتها مفهومات ’مشقة العيش‘ مؤدية في ’مدن تقليدية‘ محيطة ’فوضى حضرية‘ ملحوظة، وبالتبعية يناقش هذا الكتاب معنى ’إدارة فوضى الحضر‘ و’المدينة نظام‘ في ’مدن المشقة ‘ذات الصلة بمسألة ’النزوح البشري الحضري، أما ’النزوح الحضري‘المقصود—سواءً أكان فرديًا أم جماعيًا—ليس فقط النزوح من المناطق الريفية للمدن الحضرية، إنما ثمة نزوح حاصل أيضا في داخل مدن تقليدية بعينها؛ وأتحدث هنا عن الأشخاص الذين يعيشون في مستقرات بشرية غير الرسمية وفي بعض مناطق متخلفة اقتصاديا وتقنيا، فضلاً عن هؤلاء القادمين من مناطق بدائية مهمشة، فكل هذا التحول والتغير والتناقض البادي في الأساليب الحضرية قاد بالتبعية لما يُمكن تسميته ’فوضى حضرية،‘ وعلاوة على ذلك، قد تحصل الفوضى نتيجة لبعض أوجه القصور في ممارسة المعماريين لمهنتهم حسب نمط تعليمهم أو وفق تطبيقاتهم المهنية للتشريعات الحضرية، بجانب الالتزام بنظم هندسية تبدو بالية في جانب وكسر النظام المعني بالسلوك في جانب آخر.
ارتكزت منهجية هذا العمل على طرائق استقرائية واستنتاجية بقصد إثبات أن إشكالية هذا الكتاب قد تستدعي توسيع نطاق التداخل بين التنظير والبحوث التطبيقية. أكثر من ذلك، يبدو أن كثير من المدن الحضرية التقليدية والقديمة باتت في حاجة لتفعيل ما يُمكن أن يُطلق عليه ’نهج عابر الاختصاص،‘ الجامع بالضرورة بين عدة مجالات من الاهتمامات ويأتي مقدمًا في نهايته اقتراحا هجينًا جامعًا بين حلول متعلقة بالعديد من القضايا الناجمة عن ’النزوح البشري الحضري. ‘
ويركز هذا الكتاب تحديدًا على المقصود بعملية الفوضى المعمارية المَرَضية بقصد وضع سياسات العلاج كأساس للحد من صعوبات المعيشة اعتمادًا على المبادئ التوجيهية للممارسة المهنية لمجال ’فن عِمارة وعُمران المدن.‘ فمنذ بداية الألفية الجديدة والعالم يسير نحو ترسيخ مفهوم ’العصر الحضري،‘ ومع ذلك فإن بعض المدن في بعض بلدان العالم النامي—من الصعب تحديد أعدادها أو مدى انتشارها—تحولت بالفعل أو في طريقها للتحول لمدن مشقة وأنه يمكن رصد تلك التحولات الحاصلة في التوسع والنمو، الفخامة والجمال، مستوى التقنية الفائقة مقابل العشوائية والفوضى والقبح الذي تمثله العمارة والعُمران في جانب، وما يمكن اتباعه من قبل المقيمين في مواجهة القوى الاجتماعية الساحقة التي تأتي من التراث التاريخي والثقافة الخارجية وسبل الحياة في جانب آخر.