"

""ليس للإنسان حق في أن يحب أو يكره أي شيء، إذا لم يكن قد اكتسب معرفة تامة بطبيعته""(1). لم يعجب هذا الكلام ـ من دافنشي ـ المحلل النفسي فرويد الذي ينظر للحب من زاوية أخرى.

يربط ليوناردو الحب بالمعرفة، ستعرف بـ""الحب"" وبالحب تعرف، كمنطق فلسفي. لكن هذا هو ما يعارضه فرويد؛ فحينما يدلي دافنشي برؤيته، يتدخل فرويد باعتراضه.

يقول دافنشي : ""لأن الحب العظيم حقا ينبع من المعرفة العظيمة بموضوع الحب، فإذا لم تكن تعرفه إلا قليلا فإنك لن تملك أن تحبه إلا قليلا، أو ألا تحبه على الإطلاق""(2).

هنا يعترض فرويد موضِّحا : ""لا يمكن أن نجد قيمة لأقوال ليوناردو هذه فيما تقدمه لنا من حقيقة سيكولوجية هامة""(3).

لماذا ؟

يتابع : ""لأن ما تؤكده أمر زائف واضح الزيف، ولا بد أن ليوناردو نفسه كان يعرف هذا كما نعرفه نحن تماما""(4).

ما يعني ؟

ما يعني أنه ـ حسب فرويد ـ ""ليس صحيحا أن الناس يمتنعون عن الحب أو الكراهية حتى يكونوا قد درسوا وأصبحوا على دراية بطبيعة الموضوع الذي يودون أن يبدلوا له هذه العواطف، فهم على العكس ـ وهنا يخالف منطلق دافنشي ـ يحبون قهرا، وتقودهم الدوافع العاطفية التي لا صلة لها بالمعرفة""(5).

وليس هذا فقط ! فبالنسبة للفرويد : هذه المعرفة ـ كنتيجة وتأثير ـ تقلل من مفعول الدوافع العاطفية؛ فهذه الأخيرة كما ذكر بأن ""لا صلة لها بالمعرفة""، هي ""التي يضعف الفكر والتأمل آثارها أيا كانت""(6).

يريد فرويد قول أن التأمل والتفكير (تدوير الفكر) في الموضوع المحبوب، يضعف من المشاعر التي أدت لهذا الحب، وهي بالغالب مشاعر (دوافع عاطفية) منفصلة عن الفكر والتوجيه العقلي.. بل هي ما يوجه العقل، ويُخضِعه لخدمتها.

هنا نقف على نقطة الخلاف : حيث فرويد يرى الحب أعمى، بينما دافشي الحب بالنسبة له يرى ما لا يراه المبصرون.

2

هل يمكن للحب من أول نظرة أن يحل الإشكال ؟ ويعيد غربلة الطرح بين فرويد وليوناردو ؟ هل هو حب أعمى أم حاد البصر ودقيق ؟

الشِّعر عملية تعبيرية وانفعالية تقع في المنتصف، هنا وهناك ـ في المكان واللامكان؛ فرويد من بين من أثاروا الإنتاج الشعري كجانب يعرّي عن اللاوعي، فهو من قال بأن الأدباء/الشعراء لطالما سبقوه للأماكن التي كان يسعى لاستكشافها : وأي منطقة كان يثير حولها هذه الضجة غير اللاوعي ـ حيث يونغ وباقي الأصدقاء رأوا في سيغموند واللاوعي، كريستوف كولومبوس وأمريكا : حقل جديد للممارسة، مليء بالغموض والثروة (والإثارة بالتأكيد).

"