لما توفي النبي صلى
الله عليه وسلم ارتجت العرب واختلف المسلمون ولا سيما الأنصار والمهاجرون في الخلافة
فتدارك الأمر أبو بكر بحكمته وسرعة بديهته وتمت له البيعة بالإجماع. وقد برهن رضي الله
عنه أنه أكفأ رجل وأنه رجل الساعة وقتئذ لأن العرب عندما سمعوا بوفاة رسول الله ارتد
كثير منهم واستفحل أمر المرتدين في جزيرة العرب وظهر المتنبئون وجمعوا جيوشهم وثاروا
على المسلمين. فمنهم من خرج عن الإسلام ومنهم من منع الزكاة ووضع الصلاة وأباح المحرمات
وطرد كثيرا من الولاة، ولولا شدة تمسك أبي بكر بسنة رسول الله وقوة عزيمته وشجاعته
لتغلب المرتدون وقضوا على الإسلام قضاء مبرما. ولقد هال أمر المرتدين في بادئ الأمر
كبراء الصحابة، ولكن أبا بكر ثبت ولم يتزعزع وظهرت كفايته في إرسال الجيوش واختيار
القواد والولاة إلى جميع أنحاء العرب، فكبح جماح المرتدين وهزمهم شر هزيمة واستتب الأمن
في البلاد في أقل من سنة. ولم يقتصر على ذلك بل بعث الجيوش إلى العراق والشام فانهزمت
الفرس والروم ومن والاهمال من العرب وتعدى المسلمون في فتوحهم شبة جزيرة العرب. وقد
تم ذلك كله في مدة خلافته وهي سنتان وأشهر، ولا شك أن هذه مدة قصيرة بالنسبة إلى ما
تم في خلالها من جلائل الأعمال، وقد مهد بذلك طريق الفتوحات الإسلامية لمن جاء بعد
من الخلفاء واتضحت بذلك حكمة رسول الله في اختيار أبي بكر بعده.
وقد كان رضي الله عنه
مع ذلك لطيفا وديعا متواضعا زاهدا في الدنيا متقشفا عادلا غير طامع في ملك أو غنى،
بل كان كل همه نشر الإسلام وتوطيد أركانه واتباع سنة رسول الله. وقد كان مؤلفا لقلوب
المسلمين. وعلى العموم كان خير قدوة لهم في دينهم ودنياهم. وقد اختار لهم خير من يصلح
للخلافة بعده وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان وزيره وقاضيه وملازما له طول
مدة خلافته وذلك حفظا لكيان الإسلام.
هذا هو أبي بكر الصديق
خليفة رسول الله الذي عنيت بترجمة حياته وشرح خلافته ومآثره في كتابي هذا.