أيقونة المطر: بوح الذاكرة ووجع الترحال

–        دراسة في مسرح المهجر، أعمال محمد غباشي نموذجًا  –

أن تكتب معناها، أن تقف دائمًا حائرًا بحثًا عن بداية للتحرك إلى الأمام،

 تشعر بألم في الرأس... تذهب وتعود... تحمل الحيرة معك في اليقظة والحلم... حتى ترسل السماء لك جملة تنقذك. هذا ما أسميته معاناة البحث عن البدايات، والتي ربما ترتبط بمجالات الإبداع القلمي.

نعم أعاني مثلك تمامًا، لأني منذ أيام أغيب عن القلم وأعود بلا بداية موفقة، ومن داخل هذه الكلمات أحاول أن أنهي معاناتي وأبدأ الكتابة. معاناة استمرت أسابيع من الحيرة والتجمد، بحثًا عن بداية لائقة لكتابة مقدمة لمسرحيتين للكاتب المسرحي العربي محمد غباشي.

 أسابيع أطارد أثناءها الكلمات والأفكار بحثًا عن جمل مرتبة، بل وتطاردني دقات الساعة لإرسال المقدمة في أقرب وقت ممكن. مطاردات شرعية يعاني منها كل من ارتبط بوعد تسليم مكتوب ما، ولا مفر من وجود بداية ملائمة تحت ضغط الوقت المتاح.

الهوية والترحال:

ربما أدرك الآن أن معاناة البحث عن البداية لم تكن المعاناة الوحيدة، بل إن قرار كتابة هذه المقدمة ورطني في مآزق عدة، وأعني هنا مأزق الكتابة عن فنان مسرحي عربي مترحل ومتعدد النشاطات. ومأزق البحث عن مفردات ملائمة لوصف رجل مسرح ولد بالإسكندرية، ثم ارتحل إلى فرنسا، وبعدها استقر بالأردن، حيث استكمل دراسة الفنون المسرحية في معهد الفنون الجميلة، وأصبح له دورا في إثراء الحركة المسرحية في الأردن ككاتب ومخرج وممثل أيضًّا. حيث عمل محمد غباشي كممثل مسرحي وتليفزيوني،فكان وجها معروفا لمتابعي الدراما الأردنية والسورية، التي تألقت منذ تسعينيات القرن الفائت.

قررغباشي الارتحال مجددًا، من الأردن إلى الإمارات العربية المتحدة، ليستقر هناك وينطلق كإعلامي مرموق، لم ينس يومًا عشقه للمسرح. قدم طوال سنوات إقامته بالشارقة عددًا من الأعمال الفنية والإعلامية، وأسهم بأعماله في تنشيط حركة مسرحية وليدة في الإمارات العربية المتحدة، والتي قامت في الأساس على أكتاف الفنانين المهاجرين إلى الإمارات من دول عربية مختلفة، ثم تعمد روي نهمه المعرفي بالحصول على بكالوريوس في فنون المسرح من جامعة أيشودوا بالولايات المتحدة الأمريكية، ولم يكتف بالترحال بين المدن العربية، بل قدم أعمالًا مسرحية على خشبات المسارح الأوروبية.

نعم معاناة أخرى...لا بد من البحث عن مفردات ملائمة لوصف فنان ارتحل بين المدن الغربية والعربية، وتحدث بلسان روسي وإنجليزي وفرنسي، وبعض من الإيطالية، كما أتقن اللهجات العربية المختلفة.

لم يكتف محمد غباشي بالترحال بين المدن بل تعمد الترحال بين عوالم الفنون المختلفة، بين المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون، ربما كان الترحال سمته الأساسية التي طبعت أعماله الفنية والمسرحية؛ لتكون هوية إبداعية عابرة للحدود، مما يجعل تحديدها وتحليلها بمفردات نقدية تقليدية مهمة صعبة.