يبدو أن دراسة الحالة
النيجيرية بكل تناقضاتها تكفي لفهم واقع الدولة الأفريقية في مرحلة ما بعد
الاستقلال. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه دائمًا على لسان كثير من الخبراء المعنيِّين
بالشأن الأفريقي هو: لماذا يعاني الأفارقة من الفقر والبطالة إذا كانت بلدانهم
تزخر بالموارد الطبيعية والبشرية الهائلة؟ هل الأمر متعلق بالتكالب الدولي على هذه
الثروات ابتداءً من عصر تجارة الرقيق ومرورًا بعصر دبلوماسية البنادق وانتهاءً
بصراع الهيمنة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة؟ ربما يتحدث البعض عن أزمة الدولة
الأفريقية الموروثة عن العهد الاستعماري، وكيف أنها أصبحت بيتًا للداء، وليست
رافعة لتحقيق أحلام النهضة والتنمية التي رفع شعارها زعماء التحرر الوطني.
لا
تمثل بوكو حرام بنيجيريا تهديدًا عارضًا يمكن تجاوزه بمجرد اتباع استراتيجيات
مكافحة الإرهاب التي تقوم بها المؤسسات الأمنية للدولة النيجيرية. وذلك بسبب واقع
السخط المتنامي بين الأهالي في الإقليم الشمالي المتضرر أكثر من غيره في نيجيريا
من سياسات الحكومة المركزية، وعلى وجه الخصوص وسط فئات الشباب. وقد حدث ذلك
بالأساس بسبب فساد الاقتصاد السياسي، وتدمير الاقتصاد الوطني على المستويات الكلية
والقطاعية، وهو الأمر الذي زاد على نحو ثابت من اتجاه السخط واليأس بين الأهالي
منذ استقلال البلاد عام 1960.
وهكذا فإنه يمكن النظر لبوكو حرام بشكل كبير على
أنها مثال لحالة انعدام الأمن الإنساني العام التي حلت بالبلاد جراء الفساد الذي
لطخ التاريخ السياسي والاقتصادي لنيجيريا. ونتيجة لذلك فإن إجراءات السيطرة التي
يتم تطبيقها - إن لم تحصن على المدى الطويل بتنمية اقتصادية وسياسية - يمكن أن
تمثل مجرد قدر بسيط في إصلاح متعجل وغير فعال، ويمكن أن تسفر عن ظهور حركات بوكو
حرام أخرى، وربما تحت تسميات مختلفة.