حسبما يخبرني طلابي وأولادي على حد سواء، فالتحكم في الذات لا يأخذ مكانه الطبيعي بالنسبة لي. لقد كنت معتادًا الاتصال بطلابي في منتصف الليل لكي أسألهم كيف تجري الأمور بالنسبة لآخر ما توصلوا إليه من تحليل البيانات، على الرغم من أنها بدأت فقط في ذلك المساء. وفي العشاء مع الأصدقاء، ما يقلقني أنني غالبًا

حسبما يخبرني طلابي وأولادي على حد سواء، فالتحكم في الذات لا يأخذ مكانه الطبيعي بالنسبة لي. لقد كنت معتادًا الاتصال بطلابي في منتصف الليل لكي أسألهم كيف تجري الأمور بالنسبة لآخر ما توصلوا إليه من تحليل البيانات، على الرغم من أنها بدأت فقط في ذلك المساء. وفي العشاء مع الأصدقاء، ما يقلقني أنني غالبًا ما أكون الأول في إنهاء طعامي، في حين أن الآخرين لم يشرفوا على الانتهاء. لقد دفعتني قلة صبري، واكتشاف أن إستراتيجيات التحكم في الذات يمكن تعلمها، إلى أن أعكف على دراسة تلك الإستراتيجيات طوال حياتي.إن الفكرة الأساسية التي دفعتني للعمل وحفزتني على تأليف هذا الكتاب هي اعتقادي، وما توصلت إليه من نتائج، بأن القدرة على تأجيل الإشباع الحالي من أجل النتائج المستقبلية هي مهارة إدراكية يمكن اكتسابها. ففي الدراسات التي بدأت قبل نصف قرن مضى، والتي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، اكتشفنا أن هذه المجموعة من المهارات ملموسة وقابلة للقياس في مراحل الحياة المبكرة ولها عميق الأثر على المدى الطويل، والتي تعمل على رفاهية الأفراد والتمتع بصحة بدنية وعقلية جيدة مدى الحياة. الأهم من ذلك، والمثير في تلك النتائج المترتبة على التعليم وتربية الأطفال، أنها مهارة قابلة للتعديل، ويمكن تعزيزها من خلال الإستراتيجيات المعرفية المحددة التي تم اكتشافها حتى الآن.لقد ساعدت تجربة المارشملو والتجارب التي تبعتها على مدار الأعوام الخمسة عشر الماضية في إثارة موجة ملحوظة من الأبحاث والدراسات عن التحكم في الذات، بزيادة قدرها خمسة أضعاف عدد المنشورات العلمية في غضون العقد الأول1 من هذا القرن فحسب. سأروي لكم في هذا الكتاب قصة هذه الأبحاث، وكيف أنها تلقي الضوء على الآليات التي تمكننا من التحكم في الذات، وكيف يمكننا استخدام هذه الآليات بطريقة فعالة في الحياة اليومية.بدأت تلك الأبحاث في ستينيات القرن الماضي مع تلاميذ مرحلة رياض الأطفال في مدرسة بينج نيرسري سكول التابعة لجامعة ستانفورد، في دراسة بسيطة تتناول وضع التلاميذ في مواجهة تحدٍّ قاسٍ. لقد أعطيت أنا وطلابي الأطفال فرصة اختيار إحدى الجوائز (على سبيل المثال، قطعة من حلوى المارشملو) والتي كان بمقدورهم الحصول عليها مباشرةً، وجائزة أكبر (قطعتين من حلوى المارشملو) والتي كان يجب عليهم الانتظار للحصول عليها، بشكل منفرد، لمدة تصل إلى 20 دقيقة. وتركنا للأطفال حرية اختيار الجائزة التي يرغب فيها معظمهم من مجموعة متنوعة اشتملت على حلوى المارشملو، والكعك، وقطع البسكويت، وقِطع النعناع، وهلم جرا. اختارت "إيمي"2 - على سبيل المثال - قطع المارشملو. فقد جلست وحيدة إلى طاولة وجها لوجه مع قطعة المارشملو التي بمقدورها الحصول عليها في الحال، بالإضافة إلى قطعتي المارشملو اللتين ستحصل عليهما إذا تمكنت من الانتظار. وتم وضع جرس مكتبي بجوار الجائزة، بحيث يمكنها أن تقرع الجرس في أي وقت لتعيد الاتصال بالباحث وتأكل قطعة المارشملو الواحدة. أو يمكنها الانتظار حتى يعود الباحث، وإذا لم تكن "إيمي" قد غادرت مقعدها أو بدأت في أكل قطعة المارشملو، فسوف تحصل على القطعتين. لقد لاحظنا مدى معاناة هؤلاء الأطفال عندما حاولوا كبح جماح أنفسهم من قرع الجرس ما قد يثير الدموع في عينيك، ويجعلك تشيد بإبداعهم وتهتف لهم، ويعطيك أملًا جديدًا جراء القوة الكامنة التي دفعت هؤلاء الأطفال الصغار إلى مقاومة الإغراء والمثابرة للحصول على مكافأتهم المرجأة.