هل بالفعل الخطاب الدينى الحكومى يتسم بالوسطية؟، وهل فعلا
يمكن وصفه بالتسامح؟، وهل كل خطاب دينى حكومى بالضرورة هو المتسامح؟، وهل كل ما
يخالف الخطاب الموصوف بالوسطى يعد خطابا متشددا أو متطرفا أو إرهابيا؟، من الذي
يحدد ويقيم ويميز بين الوسطى وغير الوسطى؟، ما هي ملامح الخطاب الديني الذى يمكن
أن نصفه بالوسطية؟.
السؤال الأكثر صعوبة ويحتاج بالفعل نوع من المكاشفة
الحقيقية هو: لماذا دائما ما يكون الخطاب الديني الرسمى التابع للنظام الحاكم هو
الخطاب الوسطى والمتسامح؟، ما هي علامات التسامح؟، وما هى ملامح الوسطية؟ ولماذا دائما
ما يكون المذهب الرسمي التابع للحاكم هو المذهب المتوافق وشرع الله وما يخالفه من
المذاهب أقرب للتشدد والتطرف؟.
المشكلة أعقد بكثير مما نطرحه ونتصوره، وتحتاج بالفعل
لمجهود وصبر لفك التشابك
بين العديد من المفاهيم والاصطلاحات والعلاقات والمصالح
والسياسات، ونظن أن أول خطوة فى محاولة فض الاشتباك قد تكون مع تحديد بعض
المصطلحات والمسميات التى صكها القائمون على الخطاب الحكومي.
وبداية يجب أن ننتبه إلى السياج أو الحصانة التي فرضها
سدنة الديانة عبر سنوات طويلة لكي يحصنوا من ناحية الحاكم من العزل، ومن ناحية
أخرى يحصنوا أنفسهم وخطابهم الدينى، حيث أنتجوا الفتاوى التى تحرم الخروج على
الحاكم، ووضعوا شروطا يستحيل معها عزل الحاكم، إذ أنهم اشترطوا لعزله خروجه عن
الملة وإصراره على الكفر، أما فسقه أو فساده أو ظلمه فهي مسائل تقديرية يختلف
حولها المسلمون وقد تؤدى إلى فتنة فى حالة خروج البعض عليه، كما قام سدنة الديانة بإنتاج
الفتاوى التي تحصن المذهب لأن تغيير المذهب يعنى بالضرورة تغيير الحاكم وسدنة
مذهبه، وزيادة في التحصين أنتجوا ما يوحد بينهم وبين المذهب وبين كتاب الله، حيث
أضافوا قداسة إلى منتجهم الفقهي، فانتقاده هو بالضرورة ازدراء للديانة والمذهب
وللعلماء وللموروث.
من هنا كان من الطبيعي إغلاق باب الاجتهاد لغير سدنة
الخطاب الديني الحكومي، وكان من المنطقى أن يصطف السدنة ضد من يحاولون التغيير فى
هذا الخطاب أو انتقادهم، حيث يقوم السدنة بتصنيفهم في ثلاثة درجات، الأولى: للجهلة
وغير المتخصصين، الثانية: فيها المتشددون الذين يعتدون على الوسطية، والثالثة:
للمتطرفين، وهؤلاء ينتجون فقهم التكفيري.