حصون الدين كثيرة، وما أقلّ من يذود عنها في هذا الزمان! لكنها ستبقى وطيدة الأركان، عامرة بالإيمان، طالما يقف على أبوابها رجال لا يخشون في الله لومة لائم، ولا يرهبهم سوط سلطان، ولا يزحزحهم عن الحق قيد أو قضبان, وحين نطالع سجلهم الحافل بالمواقف المضيئة، ونطالع سيرهم الخالدة، نسمع صوتًا يصرخ بالحق حين تخفت الأصوات ويأبى إلا النصر في زمن الهوان. ومن بين هؤلاء الرجال ظهر إمامنا وعالمنا الجليل الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة الذي عهدناه في الفقه والحديث بحرًا لا ساحل له، ورأيناه في الفتنة العمياء جبلاً شامخًا لا يتزحزح، ووجدناه في الصبر على الشدائد والملمات ثابتًا لا يترنح. وهذا الكتاب - عزيزي القارئ - يعرض لسيرة الإمام الجليل أحمد بن حنبل؛ لنقتدي بسيرته، عسانا نلحق بركب الأئمة الصالحين، فنعيش كما عاشوا أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين.